العودة   منتدى لغة الروح > لغة الأدب > لغتنا العربية


في رحاب القرآن وجماليات العربية

قواعدها ، جمالياتها ، طرائفها ،تاريخها


إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 10-23-2019, 08:11 PM
حكاية روح غير متواجد حالياً
Egypt     Male
SMS ~ [ + ]
لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ
لوني المفضل Black
 رقم العضوية : 1407
 تاريخ التسجيل : Sep 2019
 فترة الأقامة : 1649 يوم
 أخر زيارة : 10-29-2019 (03:12 AM)
 الإقامة : مصر
 المشاركات : 477 [ + ]
 التقييم : 10
 معدل التقييم : حكاية روح is on a distinguished road
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي في رحاب القرآن وجماليات العربية



في رحاب القرآن وجماليات العربية

أ.د أحمد مقبل المنصوري


توضيح :
لا أحد يشك من أهل البلاغة والفصاحة والبيان مجرد الشك في حقيقة أن القرآن الكريم قدم لنا الأنموذج الأمثل في استعمال اللغة العربية تراكيب وألفاظا وصورا ، وحسن سبك وحبك وإحكام ، وستظل هامات الفصحاء والبلغاء من الأدباء في كل الأزمان قاصرة في أساليبها أمام أسلوبه الذي لايقارن ، وبلاغته التي لا تضاهى ، وفصاحته التي لا تحاكى، وليس في ذلك ما يجلب العجب ؛ فالقرآن كلام الله المعجز ، وتعالى الله عن أن يُضاهى في كلامه !!!
في هذه السطور المتواضعة أحببت أن أقف بالقارىء أمام أنموذجات من جماليات الصورة الفنية في بعض آيات الذكر الحكيم ، لنتلمس معا – أنا والقاريء الكريم- جوانب مما تمنحه إيانا الصورة القرآنية من جمال ، وماتكسبه في نفوسنا من أثر ، وما تبعثه فينا من أنس وارتياح!!
وإن يكن الدرس البلاغي يزين شواهده على الدوام باصطحاب آيات الذكر الحكيم منذ القدم وحتى اليوم ، إلا أن الجدة تكمن دوما في طريقة التناول ، والتماس ما يمكن أن يشكل إضافة ولو بالقدر اليسير؛ فجانب من الإعجاز يتمثل أيضا –علاوة على جوانب كثيرة - في جدة الإحساس بروعة كلام الله في كل حين ، وهذا هو هدف مثل هذا التناول ، وهذه الوقفة هنا.
وسأقصر الحديث هنا حول الصورة التشبيهية فقط بغية التركيز عليها من جهة ، ومن جهة ثانية بحسب ما تستوعبه هذه السطور المتواضعة.
يكتسب التشبيه مكانة مهمة في أساليب البلغاء والأدباء لكونه يقرب البعيد ، ويكشف الغامض ويجليه ، ويزيد المعاني وضوحا وتوكيدا ، وتأتي أهميته أيضا من ألفة الناس له وارتياحهم لأثره ؛ لأنه يقع في النفوس موقعا حسنا ، ويؤثر فيها التأثير اللطيف ، وبما لايستطيع على تحقيقه الكلام العادي الذي يستعمل اللغة استعمالا حقيقيا عاديا ؛ فلو قال أحدنا واصفا صديقا له في الشجاعة والكرم والحسن مثلا بقوله : أنت شجاع وكريم وحسن الوجه ، وقال الآخر في الوصف نفسه: أنت كالليث شجاعة ،وكالبحر كرما ، وكالبدر حسنا !! لرأينا أن الكلام الثاني قد اكتسب حلة قشيبة ، ووقع في النفس موقعا مؤثرا جميلا في حين أن الوصف الأول كان عاديا باردا . وليس السبب في ارتقاء الثاني إلى ملامسة نفوسنا إلا التشبيه الذي تجاوزبه الحقيقة إلى المجاز ليوضح المدى الذي يتصف به الصديق من الخصال والشمائل في الشجاعة حين قرنه بالأسد ، وفي سعة الكرم وتدفقه حين قرنه بالبحر ، وبالحسن حين قرنه بالبدر ؛ فبدا بسبب كل ذلك مثالا نادرا في الشجاعة ، ونادرا في الكرم ، ونادرا في الحسن . وكل ذلك تأتى لنا ،ولكل متلقٍ متأنٍ ،من الصورة التشبيهية التي ألقت بظلالها على ذلك الوصف.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن البلاغة منذ أن تأسست كان هدفها البحث في جماليات القول وإسراره وصولا إلى معرفة سر الإعجاز في كتاب الله الكريم ، وهنا رأيناها منذ البداية لا تخضع للتقسيمات التي قعدتها فيما بعد وعقدتها ، وأحالت البحث في جماليات القول وأسرار تركيبه وصوره وإيقاعاته إلى قواعد شبه ميتة أماتت معها جانبا كبيرا من روح البلاغة الحقيقي.
ويكفي أن نشير هنا إلى عالمين من علمائنا القدماء ، الأول ذهب مع البلاغة متذوقا بارعا يفتش عن أسرارها قبل قواعدها في الكلام والقول ذي اللغة العالية المؤثرة ، هو الإمام عبد القاهر الجرجاني 471هـ في كتابيه (دلائل الإعجاز وأسرار البلاغة)، والثاني ممن جاء بعده حين بحث عن القاعدة قبل البحث عن روح الكلام و القول كما فعل مثلا السكاكي 626هـ في كتابه مفتاح العلوم ، والخطيب القزويني 739هـ في كتابه تلخيص العلوم.
وفي اعتقادي أن الاهتمام الأكبر في البلاغة ينبغي أن ينصب على روح الكلام البليغ وجمالياته ؛ سواء التركيبية أو التصويرية أوالصوتية ، أكثر من الاهتمام بالقاعدة التي تمزق الكلام وتضعه في قوالب ميتة في كثير من الأحيان .
وطرح هذه الملاحظة إنما يقودني إلى التنبيه على أنني فيما سأسوقه من أمثلة للصورة التشبيهية في بعض آيٍ من الذكر الحكيم إنما سأقف أمام روعة التصوير وجمالياته قبل أي تقسيم بلاغي جامد !!
فلست أدري أية قيمة للكلام أو للبلاغة حين نقف أمام الشواهد لنمزقها إلى تقسيمات من مثل تشبيه مؤكد ومرسل ومفصل ومجمل وتمثيلي وغير تمثيلي وحسي وعقلي ومركب ومفرد وووو إلخ ؟!!! مع أنها جميعا تلتقي عند كونها تشبيها فيه طرفان: مشبه ومشبه به ، وميزان التفاضل بين تشبيه وآخر هو درجة تأثيره في النفس وموقعه منها !!
ولننصت إذاً إلى جماليات التشبيه في بعض آي من الذكر الحكيم، وكيف يمكن لنا أن نتلمس بعض جمالياتها ، مع التذكير -هنا - بأن ما سنتلمسه لا يعني الإحاطة الكاملة بجماليات الصورة ؛ لسبب بسيط جدا هو أن بلاغة القرآن الكريم تتجاوز حدود إحساسنا البسيط وتفوقه ، وتتجدد مثل تلك اللمسات الجمالية مع القرّاء دوما ، ولكن حسب محاولاتنا هذه أنها تتلمس ماوسعها الجهد والاستطاعة .
من التشبيه القرآني :
في معرض تقريب الصورة للمتلقين ، وتوضيحها حتى لايكون هناك مجال للضبابية أو الشك في تصورها وتخيلها ، يستدعي النص القراني التشبيه لعقد مقارنة بين أعمال الكافرين في الدنيا وضياعها في الآخرة في طرف المشبه ، والرماد الذي تكوّم فاشتدت به الريح في يوم عاصف وطيرته في الآفاق هنا وهناك في طرف المشبه به ، قال تعالى :{ مَثَل الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالهمْ كَرَمَادٍ اِشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيح فِي يَوْم عَاصِف لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْء } (ابراهيم 18)
فأعمال الكافرين ليست فقط تشبه الرماد في كونه لا قيمة له ولا أهمية فيه ، ولكنها رماد ضائع أيضا ومتطاير مما يضاعف الشعور ببؤس الكافر الذي تزين له الحياة في تتبع ما لاقيمة له وفوق هذا يذهب مع الرياح . جمال الصورة هنا وتأثيرها أنها كشفت اللاجدوى من عمل الكافرين وكسبهم الضائع الذي لا تمسكه اليد ولا تراه العين ، والنتيجة هي الخسران العظيم حين يجدون أنفسهم أمام الله لا أعمال لهم تذكر ، ولم يجنوا سوى الضياع في دنياهم ؛ بمعنى أن الكفر طير أعمالهم كما يطير الريح الرماد .
وفي معرض بيان أن الحياة الدنيا لا قيمة لها ولا بقاء مهما ازينت للمرء ، ومهما سحرته فمآلها إلى الزوال يستدعي النص القرآني الشبه بهيئة الأرض وقد نزل عليها الماء ثم اخضرت وازهرت بالخضرة البهجة للناظرين ثم تنتهي بعد ذلك الخضرة فتصفر ثم تتحول إلى هشيم يابس تطيره الرياح هنا وهناك ؛ فالمآل لا شيء ولا بقاء لها ، قال تعالى:{ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَل الْحَيَاة الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنْ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَات الْأَرْض فَأَصْبَحَ هُشَيْمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاح } (الكهف 45) ولولا التشبيه المعقود في الآية بين الحياة الدنيا من طرف وخضرة الأرض ثم يباسها من طرف ثان لما تصورنا كيف تبدو الحياة الدنيا زائلة وفانية وغير باقية !!
جمال الصورة هنا أنها قربت المشهد ناصعا أمام العين لندرك بالدليل أن زينة الدنيا وسحرها إلى نهاية وإلى زوال كما تؤول الخضرة اليانعة في الأرض يباسا ، وهذا اليباس يتلاشى ويتضاءل ، ثم يهش ويخف ثم يتطاير ويضيع !!
وتبدو – في موضع آخر- ملاحقة الكافر لزينة الدنيا دون أن يلم منها بشيء بوساطة التشبيه كمن يلاحق السراب في الصحراء وينتهي به العمر دون أن يصل إلى رواء عطشه ؛إذ كلما تبعه بعد وبعد ، وكذلك الكافر يجري خلف غواية الدنيا وشؤونها وكلما حصل على شيء زاد نهمه وجريه خلف ملذاتها ثم يجد نفسه آخر الأمر أمام الفناء والموت و ليس محصلا منها أي شيء ، ولكنه سيجد العقاب منتظره بين يدي الله، كل هذا اتضح من خلال تقريب المشهد بالسراب ، وما أجملها من صورة بليغة دقيقة !! رصدت المشهد بكل تفاصيله منذ بداية الغواية الكاذبة وملاحقتها حتى النهاية ، قال تعالى:{ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالهمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبهُ الظَّمْآن مَاء حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّه عِنْده فَوَفَّاهُ حِسَابه }(النور 39).
وفي مشهد آخر للذين ينفقون أموالهم في سبيل الله وما يضاعفه الله لهم من الأجر والثواب والبركة في الرزق ينهض التشبيه ليقدم للمتلقي مشهدا للمضاعفة في الخير والزيادة فيه مع مايرافقه من بركة تسر النفوس ، حين يضع المرء حبة في الأرض فإذا هي تنبت فتتفرع منها سبع سنابل ، وفي كل سنبلة مئة حبة بدلا من تلك الحبة، فأية بركة وأي خير يلحق بالمنفق في سبيل الله من أجر مضاعف في الآخرة ومن بركة مضاعفة في الدنيا ، كل هذا نلحظه من التشبيه بين الطرفين ؛إذ يضع المنفقون نفقتهم لله في أرض خيرة تضاعف لهم ما انفقوه كتلك الحبة ،قال تعالى:{ مَثَل الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ فِي سَبِيل اللَّه كَمَثَلِ حَبَّة أَنْبَتَتْ سَبْع سَنَابِل فِي كُلّ سُنْبُلَة مِائَة حَبَّة }(البقرة 261).
وتبدو الكلمة الطيبة التي يصطنعها ذوو الأخلاق فيمن يخاطبونهم ويحسنون اختيار كلماتهم ذات أثر عظيم في نفوس متلقيها ، إنها كثمرة شجرة تقع في النفس موقع لذتها وتفعل فعلها على المدى القريب والبعيد ، وتمتد إلى السماء ثابتة لاتزعزع ، وكذلك ثبات أثر الكلمة الطيبة في النفس على الدوام ،وثبات أجرها عند الله ، كل هذا ما نقله لنا التشبيه قال تعالى:{ ضَرَبَ اللَّه مَثَلًا كَلِمَة طَيِّبَة كَشَجَرَةٍ طَيِّبَة أَصْلهَا ثَابِت وَفَرْعهَا فِي السَّمَاء تُؤْتِي أُكُلهَا كُلّ حِين بِإِذْنِ رَبّهَا }(ابراهيم 24) فهي تورث الخير وتورث الأجر .
في حين أن التشبيه أيضا يقرن الكلمة الخبيثة بالشجرة الخبيثة التي يراها المرء فيبادر إلى اجتثاثها لقبح منظرها ويجتثها من أساسها ومن قرارها كذلك الكلمة الخبيثة تمجها النفس وتكرهها وتحاول مسخها من الذاكرة ومن النفس ، لأنها خبيثة في كينونتها وفي مايترتب عليها من الإثم ، قال تعالى:{ وَمَثَل كَلِمَة خَبِيثَة كَشَجَرَةٍ خَبِيثَة اُجْتُثَّتْ مِنْ فَوْق الْأَرْض مَا لَهَا مِنْ قَرَار }(ابراهيم 26)
وإن تكن الأولى ترتبط بالمؤمنين وأعمالهم والثانية بالكافرين وأعمالهم على رأي المفسرين فذلك وارد.
هكذا رأينا أن كتاب الله العزيز كتاب معجز ، تلمسنا في الشواهد التي أوردناها بعضا -وبعضا فقط - من جماليات الصورة التشبيهية القرآنية، ورأينا الدقة في ضرب الشبه ،والجمال في إيحاءاته ، والأثر الذي يتركه في النفوس ، والحديث يطول وليس هذا سوى قطرة من بحر !! وتكثر الدراسات في هذا الجانب لكن يظل لكل قارىء لمساته التي فطنها ، وهذا سر من أسرار الإعجاز البياني في كتاب الله ، ولله القدرة في جعل كلامه على أجمل ما يمكن أن يكون. .


ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك


الموضوع الأصلي: في رحاب القرآن وجماليات العربية || الكاتب: حكاية روح || المصدر: اسم منتداك

كلمات البحث

العاب ، برامج ، سيارات ، هاكات ، استايلات







 توقيع : حكاية روح

لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
العربية, القرآن, رحاب, وجماليات

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

Facebook Comments by: ABDU_GO - شركة الإبداع الرقمية

Bookmark and Share


الساعة الآن 12:20 AM.

أقسام المنتدى

لغة الفيزياء | الفيزياء العامة | الفيزياء الحديثة | الفيزياء النووية | المحاضرات عن بعد | تكنو فيز | الوسائط التعليمية | الفيديو العلمي | طرق وأساليب التدريس | الأجهزة التعليمية | البرامج والمواد التعليمية | فيزياء المرحلة الثانوية (نظام المقررات ) | الترجمة | الأخبار العلمية والتكنولوجيا | لغة الأدب | الأدب العربي | الأدب النبطي | لغتنا العربية | الركن الهادئ | لغة الذات | دورات وقراءات | الميديا التنموية | الروحانيات | اسأل طبيبك | استراحة المنتدى | لقاء العائلة | شاركنا أخبارك | التعارف والترحيب بين الأعضاء | منتدى الإدارة | القرارات الإدارية | تواصل مع الإدارة | منتدى الاقتراحات والملاحظات | ريشة فنان | منتدى المواضيع المحذوفة والمكررة | الفيزياء الطبية | مسار محاضرات الفيزياء | مسار محاضرات الفيزياء الجزء الأول (1و2و3) | مسار محاضرات الفيزياء الجزء الثاني (4و5و6) |



Powered by vbulletin
Copyright ©2000 - 2024.


HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010

أن المنتدى غير مسئول عما يطرح فيه أفكار وهي تعبر عن آراء كاتبها

This Forum used Arshfny Mod by islam servant

هذا الموقع يستعمل منتجات MARCO1

جميع الحقوق محفوظة لموقع لغة الروح |تصميم المتحدة لخدمات الانترنت