أهلا ومرحبا بكم جميعـا ، نورتم الصفحة ^^ ~
الفيزياء .. علم الطبيعة ، أرقى العلوم وأجملهـا ، بل لواتها ما قامت لحضارتنا قائمة ، ولولاها لما استطعنا أن "نسيطر" على العالم ونسخره لخدمتنا وتلبية احتياجاتنا . هل تساءلت يوما ـ عزيزي القارئ ـ عن الهدف الرئيسي لعلم الفيزياء ؟! ، إني لأكاد أجزم أنك تقول : تفسير الظواهر الطبيعية المختلفة واستنباط القوانين التي تحكمها وتفسرها تفسيرا منطقيا ومقنعـا .
إلا أن هدف الفيزياء الحقيقي هو "توحيد النظريات والقوانين" ، واسمح لي بأن أقتبس لك هذا النص من كتاب "قصة الفيزياء" :
" ... الفيزياء هي العلم الأساسي التي تستمد منه العلوم الأخرى ـ فليس في الكون ظواهر لا يعنى بها الفيزيائي ، غير أنه لا يكتفي بمجرد معرفة الوقائع ، بل يمضي إلى ماوراءها ، لأن هدفه الأسمى هو أن يستنبط من هذه الوقائع قوانين أساسية تمكنه من الربـط بين ظواهر تبدو كأنها لا رابط يسنها وتيسر له التنبؤات بحوادث مقبلة " .
أي تفسير عدد كبير من الظواهر بأقل عدد ممكن من القوانين ووضعها في إطار رياضي موحـد . وما زلت أذكر السنة الأخيرة في الثانوية حيث درسنا في مقرر القيزيـاء مواضيع مختلفة تماما ، وهي : النشاط الإشعاعي والتفاعلات الكيميائية والشحن الكهربي للمكثفات والسقوط الشاقولي للأجسام ، ولكن الشيء المشترك بين هذه الظواهر هو أنها تخضع لنفس المعادلة التفاضلية التالية :
لقد أدهشني ذلك وأثر في أيما تأثير ، إذ كيف للنشاط الإشعاعي الذي يحدث في أعماق النواة الذرية ، أن ندرسه ونصفه بنفس الرياضيات التي ندرس بها مثلا سقوط الأجسـام الصلبة في الهواء ؟!!! وغيرها من الظواهر التي لها نفس الوصف الرياضي بالرغم من اختلاف طبيعتها , وفي الواقع هذا هو هدف الفيزياء الأول والأخير : وصف الكون وعملياته بمعادلة واحدة أو ما يسمى بـ "تظرية كل شـيء" ! .
في هذا الموضوع سرد للمحاولات التي بذلها الفكر البشري الخلاق لتحقيق ـ ولو بشكل جزئي ـ هذا الهدف العظيم ، إذ يتناول الموضوع النظريات الفيزيائية التي فيها رؤية توحيدية لتفسير الظواهروالمشاهدات ، ولكن في إطار الفيزياء الكلاسيكية (أي فيزياء ما قبل القرن 20) .
نبـدأ بسم الله ~
قبل نيوتن ، كانت الحركات السماوية (حركة الكواكب والمذنبات ....) مختلفة تماما عن الحركات الأرضية حسب النظرة الأرسطية ، فقد اعتقد الفيلسوف العظيم أرسطو أن القوانين التي تحكم حركة الأجسام في السماوات التي هي حركات مثالية ونقية و "روحانية" يجب أن تكون مختلفة تماما عن تلك التي تحكم الحركات هنا في عالمنا الأرضي الناقص . ظل هذا الاعتقاد سائدا حتى عام 1687 عندما أعلن نيوتن عن ميلاد فجر جديد للعلم بنشره لنظريته الخالدة : الجاذبية العـامة . لاحظ معي كلمة (عامة) ، أي أن قانون الجاذبية هذا صالح وصحيح في كل مكان ، وفي اقتراح جريء أعلن نيوتن أن القوة التي تسبب سقوط تفاحة نحو الأرض هي نفسها القوة التي تسبب دوران القمر حول الأرض ، وأن القوة التي تبقي الأرض في مدارها حول الشمس هي نفسها القوة التي تؤثر بها الشمس على الكواكب الأخرى , إلا أن نيوتن سرعان ما أدرك أنه هذه القوة ـ الجاذبية ـ التي خاصة وحصرية بتلك الأنظمة فحسب بل هي قوة كونية شاملة تظهر أينما ظهرت المادة ومتعلقة بها ، بل إن المادة هي الشحنة التي تخلقهـا .
بعبارة أخرى ، قانون القوة الذي يحكم الحركات الأرضية هو نفسه تماما الذي يحكم حركات الأجسام السماوية ، أي أن نيوتن وحد السماوات والأرض بنظرية واحدة سماها : "الجـاذبية" . بقانون الجاذبية وقوانين الحركة الثلاثة أرسى نيوتن أول مبدأ توحيدي في الفيزياء على الإطلاق .
قال البروفسور ستيفن ونبرغ :" ... توحيد السماء والأرض ، المتمثل في أن القوانين التي تحكم الكواكب في حركتها هي نفسها التي تحكم المد والجزر وسقوط الفاكهة هنا في الأرض .. كان هذا رائعــا " .
في منتصف القرن 19 الميلادي ، كان يعتقد بوجود علاقة جوهرية ووطيدة بن الكهرباء والمغناطيسية بعد الاكتشافات الهامة التي قام بها علماء أوربا أمثال أوريتد ، فاراداي وأمبير ، والتي تنبأت بوجود هذه العلاقة . أدرك الفيزيائي النظري العظيم جيمس كلرك مكسويل أهمية هذه الاكتشافات لذلك كرس خمس سنوات من عمره لإيجاد هذه العلاقة بين الكهرباء والمغناطيسية .
"النظرية الكهرومغناطيسية" هي ما جادت به قريحة هذا العالم العبقري . اعتمادا على الاكتشافات السابقة وبتوظيفه للرياضيات البحتة تمكن مكسويل من أن يجع كل قوانين الكهرباء والمغناطيسية في أربع معادلات تفاضلية "سحريـة" !!! ، ليس هذا فحسب ، تنبأت هذه المعادلات بشيء غريب للغاية ، وهو أن الكون "مليء" بإشعاعات (أمواج) مختلفة لا تحصى ، فبدمج المعادلات الأربعة نحصل هلة معادلة انتشار موجة بالشكل :
والشيء الأغرب هو أن سرعة انتشار هذه الأمواج هي نفسها سرعة الضوء في الفراغ ، هذا يعني شيئا واحدا فقط ، هو أن الضوء ظاهرة كهرومغناطيسية ، وفي الواقع ، يمكن للواحد منا أن يشتق معادلة انكسار الضوء من معدلات مكسويل بسهولة ! . وهكذا انصهرت الكهرباء والمغناطيسية والبصريات في بوتقـة واحدة هي الكهرومغناطيسية .
باستعماله المكثف للرياضيات وتفاضل وتكامل المتجهات ومفهوم المجال بين مكسويل نظريا أن المجالات الكهربية والمغناطيسية المهتزة تولد أمواجا كهرومغناطيسية ، والجدير بالذكر هو أن معاصري مكسويل رفضوا نظريته واعتبروها نوعا من "الهرطقة العلمية" ، حتى جاء العالم الألماني هـرتز بعد 30 سنة من وفاة مكسويل ليثبت تجريبيا وجود الأمواج وقام بتوليد نوع منها سمي باسمه : أمواج هرتز أو أمواج الراديو وقام بقياس سرعتها فوجدها مساوية لسرعة الضوء كما تنبأ ماكسويل . ويمكننا اليوم أن نرى ـ بوضوح ـ مدى أهمية هذا الاكتشاف في الاختراعات الحديثة .
قال هرتز :" إن المرء لا يستطيع الهروب من الإحساس بأن هذه المعادلات الأربع هي كائن له وجوده وذكاؤه الخاص ، الإحساس بأنها أذكى منا ، بل أذكى من مكتشفها حتى ،الإحساس بأننا أخذنا منها أكثر مما قدمنا لهـا" .
وقال البروفسور مارت لوين :" تخيل أن كل شيء تستطيع أن تفكر فيه ، والمتعلق بالكهرباء والمغناطيسية ، يمكن أن يكتب في أربع معادلات بسيطة جدا ، أليس هذا مدهشا ؟! أليس هذا استثنائيا ؟! أنا أسمي ذلك رائـع !" .
إلى هنـا أصل وإياكم إلى ختام الموضوع ، أتمنى أنكم قد استفدتم واستمتعتم ^^ .. وإلى اللقاء في موصوع آخر يتناول النظريات النظريات التوحيدية التي ظهرت في الفيزياء الحديثة ، إلى ذلك الحين أستودعكم الله ، والسلام عليكم ~
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك